موقع الشيخ الدكتور مبارك المصري النظيف
موقع الشيخ الدكتور مبارك المصري النظيف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم إن كنتَ زائراً فأهلا بكَ في موقعك المتميز .. ونأمل منك التسجيل معنا ومشاركتنا . وإن كنت عضواً .. فتفضل بتسجيل الدخول.
سائلين الله لك دوام الصحة والعافية.
موقع الشيخ الدكتور مبارك المصري النظيف
موقع الشيخ الدكتور مبارك المصري النظيف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم إن كنتَ زائراً فأهلا بكَ في موقعك المتميز .. ونأمل منك التسجيل معنا ومشاركتنا . وإن كنت عضواً .. فتفضل بتسجيل الدخول.
سائلين الله لك دوام الصحة والعافية.
موقع الشيخ الدكتور مبارك المصري النظيف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع الشيخ الدكتور مبارك المصري النظيف

موقع إسلامي يهدف إلى تحقيق التواصل بين الأحبة وإقامة المشاركات البحثية المتعلقة بالقضايا التأصيلية
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
فحلول ذكرى المولد كل سنة، يحمل لأمة الإسلام معنى التجديد في حياتها وسلوكها ويستحثها على مراجعة سيرتها وأخلاقها على هدى القرآن والسنة، تحقيقا للمعنى القرآني العظيم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾. لذا ينبغي أن نعبر في مولد الرسول حقيقة، عن حبنا العظيم له، ونؤكد هذه المحبة و نجددها وندعمها بالبراهين والأعمال المثبتة لها، ذلك لأن المحبة تقتضي الإتباع، وهذا يعني الاقتداء والتأسي بالرسول، باتخاذه المثل الأعلى للمسلم، في حياته كلها، أقوالا وأعمالا، سيرة و سلوكا. إن أعظم احتفال بذكرى المولد، يتمثل في الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم بتحقيق رسالته والتشبث بها، وتطبيق أركان الإسلام ومبادئه، والسير على نهجه وسنته، وإحياء معالمه وقيمه ومبادئه، والتقيد بأوامره و نواهيه وتوجيهاته في حياتنا وسلوكنا، كي يطبع النهج العملي للإسلام أعمالنا، في البيت، والمدرسة، والمحكمة، والشارع وفي سائر مرافقنا، حتى يصبح دين الله هو الغالب وشريعته هي المطبقة والحاكمة والهادية، كما كان الأمر أيام الرسول، وعلى عهد صحابته و تابعيهم، حتى نجعل من الرسول النموذج الأرفع، والمثل الكامل للمسلم الحق، المتشبث بدينه الداعي إليه، المطبق له، العامل به، والذي جعل من سيرته تطبيقا عمليا للإسلام، وتفسيرا حقيقيا للقرآن. لقد حقق الرسول بسيرته و هديه، مبادئ الإسلام و مثله العليا، وجعلها آية في الأرض، لتكون نبراسا لنا و العالمين، وضياء و نورا للناس أجمعين، وجاهد وصابر حتى أصبحت كلمة الله هي العليا، وغدا الحق والخير والعدل سلوك المسلمين ومبادئهم، فأصبحت بذلك المعجزة تابعة للإيمان، بعد أن كان الإيمان تابعا لها، وخلصت النبوة لمهمتها الكبرى، وهي هداية الضمير الإنساني في تمام وعيه، وكمال إدراكه، تحقيقا لإرادة الله، وذلك هو ما جعل من الأمة الإسلامية في فترة وجيزة، أمة مؤمنة، موحدة قوية، متحدة، استطاعت أن تقلب وجه التاريخ، وتقضي على الجهل والعبودية والتفرقة و الظلم، وتكون خير أمة أخرجت للناس. إذا كانت حياة الرسول، وسلوكه، وأخلاقه، ومعجزاته، أنارت عقول العلماء والباحثين، وهدت كثيرا من الحكماء والمفكرين إلى الحق والإيمان، أفلا يحق لنا ونحن نحيي ذكرى مولده الشريف أن نكون أحق وأولى بالإتباع والاقتداء؟ فنتأسى بسيرته ونقتدي بسلوكه ونتخلق بأخلاقه، فنحيي السنن، و نميت البدع، وننبذ الضلالات و السفاهات التي طغت على مجتمعاتنا، و على حياتنا، ولنعتز بالإسلام كما اعتز به الأولون، فقادوا و سادوا، وحققوا المعجزات، وفتحوا الفتوح، ولنجعل من الرسول مثلنا الأعلى، وقدوتنا الأولى، ورائدنا الأكبر
المواضيع الأخيرة
» القواعد الفقهية
المفهوم العام لعلم التأصيل Icon_minitimeالأربعاء 24 أغسطس 2022 - 18:14 من طرف Admin

» كلنا فلسطين
المفهوم العام لعلم التأصيل Icon_minitimeالأحد 25 أكتوبر 2015 - 16:50 من طرف Admin

» الدكتور مبارك المصري النظيف يشارك في الندوة الدولية للقاضي أبي الوليد الباجي
المفهوم العام لعلم التأصيل Icon_minitimeالخميس 28 أغسطس 2014 - 21:45 من طرف Admin

» كيف نحتفي بمولد رسول الله (رؤية تأصيلية).
المفهوم العام لعلم التأصيل Icon_minitimeالأحد 5 يناير 2014 - 5:57 من طرف Admin

» مؤتمر التدبر
المفهوم العام لعلم التأصيل Icon_minitimeالخميس 24 أكتوبر 2013 - 6:11 من طرف Admin

» المحاضرات في مادة "أصول الفقه"
المفهوم العام لعلم التأصيل Icon_minitimeالجمعة 13 سبتمبر 2013 - 19:24 من طرف ARSHAK7000

» الأمر: تعريفه، صيغه، دلالته
المفهوم العام لعلم التأصيل Icon_minitimeالجمعة 13 سبتمبر 2013 - 19:19 من طرف ARSHAK7000

» النهي: تعريفه، صيغه، دلالته
المفهوم العام لعلم التأصيل Icon_minitimeالخميس 17 يناير 2013 - 6:53 من طرف Admin

» موقع إعداد مدرس المستقبل
المفهوم العام لعلم التأصيل Icon_minitimeالجمعة 12 أكتوبر 2012 - 9:00 من طرف Admin

آخر الأخبار
أشكر الله سبحانه وتعالى ، وأهيب بالأخوة طلاب الدراسات العليا ، الذين كان لهم الشرف بانتسابهم لجامعة القرآن الكريم وتأصيل العلوم ، نرحب بهم كل الترحاب والموقع بجميع منتدياته يسعهم ولهم فيه كل ما يطلبون من اقتراحات مواضيع تصلح للبحث ، كما سنأمل من الباحثين إثراء هذا الموقع بإسهاماتهم وتعليقاتهم ، ونشرهم وتواصلهم عبر هذا الموقع ، وتقبلوا شكري مع أطيب المنى.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
عناوين لمواضيع فقهية يمكن الكتابة والبحث فيها
أثر التغيرات البيئية في أحكام العبادات الشرعية دراسة فقهية مقارنة قوادح النسب في ضوء علم الوراثة المعاصر الآثار الضارة للتطور التكنولوجي على حق الإنسان في سلامة جسده زواج الصغار في ضوء تحديد سن الزواج ألعاب القوى في الفقه الإسلامي الأمن وأثره على تصرفات الجاسوس المسلم فوات محل القصاص في الفقه الإسلامي المسابقات التجارية في الفقه الإسلامي وتطبيقاتها المعاصرة الوصية الواجبة [دراسة فقهية مقارنة] أثر سقوط العذرة والبكارة على الزواج الجريمة الاعلامية في الفقه الاسلامي العلاج الجيني للخلايا البشرية في الفقه الاسلامي حق الزوجة المالي الثابت بالزواج وانتهائه التعديل الجراحي في جسم الإنسان - دراسة فقهية مقارنة أثر الأمراض الوراثية على الحياة الزوجية - دراسة فقهية مقارنة جرائم التخويف في الفقه الإسلامي العقود الآجلة في الاقتصاد الإسلامي البديل جرائم الحاسب الآلي في الفقه الاسلامي أحكام البيئة في الفقه الإسلامي أحكام الغصب وصوره المعاصرة في الفقه الإسلامي جزاءات وضمانات عقد التوريد في الفقه الإسلامي سلطة الولي على مال القاصرين في ضوء الواقع المعاصر سقوط القصاص في الشريعة الإسلامية دراسة مقارنة أحكام الوصية بالمنفعة في الفقه الإسلامي أحكام الأعمى في الأحوال الشخصية - الزواج والطلاق أحكام التفويض في الطلاق في الفقه الإسلامي - دراسة فقهية مقارنة أحكام عقود الإذعان في الفقه الإسلامي العاقلة وبدائلها المعاصرة في الفقه الإسلامي الجودة والرداءة وأثرهما على أحكام المعاملات أحكام المسن في العبادات حقوق الله بين الإسقاط وعدمه في الفقه الإسلامي القصاص والتعازير في الشجاج والجروح بين الأطفال ضمان السير في الفقه الإسلامي - دراسة فقهية مقارنة بالقانون المعمول قطاع غزة العجز وأثره على المعاملات المالية في الفقه الإسلامية الأحكام الشرعية للإضرابات في المهن الإنسانية أثر وسائل النقل الحديثة على سفر المرأة دور المرأة في المجال الإعلامي المعاصر في الفقه الإسلامي تقييد الزواج بالمصلحة الشرعية أحكام التحالفات السياسية في ضوء الواقع المعاصر أحكام الصرف الالكتروني في الفقه الإسلامي صور التدليس المعاصرة في عقود الزواج دراسة فقهية مقارنة حقوق الله بين الإسقاط وعدمه في الفقه الإسلامي أحكام إشارة الأخرس في الأحوال الشخصية والحدود والمعاملات وبيان وفق مقاصد الشريعة أثر المرض النفسي في رفع المسئولية الجنائية في الفقه الإسلامي ميراث الخنثى في ضوء الحقائق العلمية المعاصرة وتطبيقاتها في الشرعية في قطاع غزة "موانع الميراث في الشريعة الإسلامية وتطبيقاته في المحاكم الشرعية غزة" الضمانات القضائية للمتخاصمين في المحاكم الشرعية في قطاع غزة الممنوعون من النفقة في الفقه الإسلامي وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية قطاع غزة "موانع القضاء في الفقه الإسلامي" شهادة النساء على دعاوي النفقات وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية في جواب المدعى عليه على الدعوى وتطبيقاته في المحاكم الشرعية في قطاع الاختصاص الوظيفي والمكاني للمحاكم الشرعية في قطاع غزة الدفوع وأثرها في الدعاوي القضائية وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية الدعاوى غير المنصوص عليها في قانون الأحوال الشخصية المعمول المحاكم الشرعية التفريق بين الزوجين بسبب الردة وإباء الإسلام وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية في قطاع غزة الإفتاء في قطاع غزة ودور الشيخ قوصة فيه المنازعة على أرض الوقف وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية بقطاع
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 بحـث
مجمع شعاع النور الإسلامي وآخر التطورات
يهنئ مجمع شعاع النور الإسلامي الأمة الإسلامية جمعاء في مشارق الأرض ومغاربها ، بحلول شهر الله المحرم رجب الخير المبارك ، أعاده الله علينا بالخير واليمن والبركات ، والشعب المسلم أكثر أمنا وسلامة ، وكل عام وأنتم بخير ،،،،،،
آخر أخبار جامعة القرآن الكريم وتأصيل العلوم
بشرى سارة لمتصفحي الشبكة العنكبوتية باطلاق موقع جامعة القرآن الكريم وتأصيل العلوم ، الموقع الرسمي للجامعة الذي يضم جميع كليات الجامعة ومناشطها المتعددة ، وأنا أهيب بالقائمين بإعداده ، وأسأل الله التوفيق للجميع . نحن على أبواب امتحانات الفصول الدراسية 2/4/6/8 للعام الجامعي 2011 - 2012م ، لطلاب البكالريوس قسم الفقه وأصوله بكلية الشريعة يقيم دورة الداعيات بمركز الطالبات بودمدني والمحاضرات مستمرة كل يوم سبت من كل أسبوع.
الأستاذ الجامعي والبحوث العلمية
يعتبر البحث العلمي في مؤسسات التعليم العالي من جامعات ومعاهد عليا متخصصة مطلباً أساسياً للتميز في أي حقل من حقول الدراسة المتخصصة في مجالات العلوم المختلفة ولاسيما العلوم الطبيعية والتطبيقية، ولقد تمكنت كثير من جامعات العالم من تحقيق درجات عالية من التميز والريادة في مجالات محددة من مجالات البحث العلمي، بل وتحرص على استمرار هذا التميز والريادة في تلك المجالات من خلال باحثين متميزين يكون معظمهم من أعضاء هيئة التدريس الباحثين حتى تتحقق الفائدة التبادلية بين التعليم الجامعي والبحث العلمي. ونظراً لأهمية الدور الأساس الذي يمكن لعضو هيئة التدريس الجامعي الباحث القيام به في مجال البحوث المتخصصة ينبغي إيجاد صيغة فاعلة ومناسبة لتقنين عملية تقويم الجهود البحثية كافة وإيجاد الحوافز التي تدفع إلى التميز الحقيقي والريادة والحرص على الاستمرار في عملية البحث العلمي المتواصل والمترابط في مجالات محددة من خلال تخطيط بعيد المدى. لهذا الغرض فإن هذه الورقة تقدم استعراضاً موجزاً لمكونات النشاط البحثي المتعارف عليه حالياً في جامعة من جامعات المملكة العربية السعودية بالإضافة إلى دراسة بعض وسائل توجيه وتقويم النشاط البحثي وتحليل مدى فاعليتها في تحقيق التميز والريادة المرجوة. ثم تقدم صيغة مقترحة بديلة يرجى من تطبيقها - في توجيه النشاط البحثي للأستاذ الجامعي - تحقيق درجات عليا من التميز والريادة التخصصية الدقيقة في مجالات محددة من البحث العلمي. وتتميز الصيغة المقترحة في هذه الورقة بتأكيدها على استمرار وترابط البحوث العلمية لكل باحث ولكل جماعة بحثية في مؤسسات التعليم العالي والتأكيد على ضرورة إيجاد الحوافز المناسبة لجذب الباحثين المساعدين المتميزين. ومن أجل ضمان تنشيط عملية البحوث العلمية المتميزة واستمرارها تؤكد الورقة على: 1- ضرورة الاستفادة القصوى من الباحثين المساعدين المتميزين بدءاً من تحسين عملية اختيارهم وتطوير قدراتهم البحثية إلى تحسين وتقنين عملية انخراطهم في مجالات بحثية معينة تدعم الجهود البحثية للأساتذة الباحثين من خلال خطة بحثية بعيدة المدى، وإيجاد الآليات التي تضمن استمرار الاستفادة من القدرات البحثية للمتميزين منهم في دعم عملية البحث العلمي. 2- ضرورة تنشيط حركة تأليف الكتب الدراسية وترجمتها من خلال خطة مرحلية تعد بناء على أولويات واحتياجات الأقسام الأكاديمية. 3- ضرورة إنشاء دور نشر علمية متخصصة يكون دورها المبادرة والمساهمة في دفع حركة التأليف والترجمة بحيث يستفاد فيها من الطاقات الإبداعية للأساتذة المتخصصين لتنفيذ مشاريع تأليف وترجمة تكون معتمدة في خطط بعيدة المدى تعدها مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي. 4- نتيجة للنمو المتسارع لحركة العلوم والمعارف الإنسانية في شتى المجالات يلاحظ الدارس لتطوير التعليم العالي في هذا القرن تعدد مسميات وأنشطة مؤسسات هذا التعليم. فمن هذه المؤسسات الجامعات والمعاهد العليا المتخصصة في العلوم والتقنية ومراكز البحوث العلمية المختلفة. ومع هذا التعدد يرجى دائماً أن تكون المحصلة النهائية من أنشطة هذه المؤسسات إثراء المعرفة الإنسانية في المجالات كافة ومنها مجالات العلوم الطبيعية والتطبيقية التي يمكن من خلالها تفعيل عملية الاستغلال الأمثل للبيئة المحيطة أو محاولة التغلب على بعض المشكلات التي تطرأ مثل المشكلات البيئية والصحية، إلا أن تحقيق الأهداف المرجوة من هذه المؤسسات تستلزم عدة أمور منها: 1- وجود خطط مشاريع بحثية بعيدة المدى. 2- وجود باحثين متميزين. 3- تقديم الدعم اللازم. 4- وجود آليات متابعة وتقويم دقيقة. ونظراً لأهمية الدور الذي ينبغي أن يضطلع به عضو هيئة التدريس الجامعي من أجل تحقيق أهداف مؤسسات التعليم العالي لابد من وجود صيغة واضحة لتحديد القدرات البحثية لكل عضو هيئة تدريس، ومن ثم العمل على الاستفادة المثلى من تلك القدرات وقد يكون ذلك من خلال عمل فردي مستمر ومترابط أو من خلال جماعات بحث متخصصة تعمل لتحقيق نتائج بحثية محددة في إطار زمني معين. إن كل مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي تطمح إلى التميز فيما تقدمه من معارف والريادة فيما تحققه من نتائج بحثية، ولكن يبقى تحقيق الريادة في مجالات البحوث المتخصصة أمراً عسير المنال في أغلب الأحيان، وذلك لأسباب كثيرة قد يكون في مقدمتها عدم وجود صيغة واضحة للأهداف التي ينبغي لأستاذ الجامعة الباحث تحقيقها بصورة متواصلة يرجى منها تحقيق التميز والريادة، ولذا وبالمقارنة مع بعض مؤسسات التعليم العالي المتميز في العالم، فإن غالبية مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في العالم العربي - وبعد مضي ما يقارب قرناً من بدء النهضة التعليمية - لم تحقق درجات مرضية من التميز أو الريادة البحثية في أي مجال من مجالات العلوم والمعارف الإنسانية وكان دورها في أغلب الأحيان مقصوراً على تحقيق الحد الأدنى من أهداف التعليم العالي من خلال تزويد طلابها بأساسيات المعرفة المتخصصة فقط دون إيجاد الآليات التي يمكن من خلالها تطوير تلك الأساسيات المعرفية لارتياد مجالات بحثية جديدة. ومع التأكيد على أهمية الاستمرار في الجهود المبذولة في عملية تزويد طلاب مؤسسات التعليم العالي بأساسيات المعرفة التخصصية، إلا أن عدم تحديد الأهداف بعيدة المدى لهذا التعليم قد تكون سبباً فاعلاً في انعدام المنفعة المتبادلة بين التعليم الجامعي ونتائج البحوث وانعدام الحافز لارتياد مجالات بحثية جديدة، وبالتالي فإن إمكانية تحقيق التميز والريادة لمؤسسات التعليم والبحث العلمي في حقل من حقول المعرفة المتخصصة قد تكون ضئيلة جداً. إن التميز والريادة الذي تحقق لكثير من مؤسسات التعليم العالي في العالم لم يتم من خلال التميز في عملية نقل العلوم الأساسية والمعارف فقط، بل من خلال التميز أيضاً في إجراء أبحاث محددة الأهداف ومتواصلة في فترات زمنية متعاقبة، ولذا ينبغي تفعيل آلية محددة لتنشيط البحث العلمي المتواصل والمتميز الذي يحقق أهدافاً بحثية يرجى منها تحقيق الريادة المتعارف عليها في مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي. ونظراً لأن المحرك الأساس لعملية البحث العلمي هو الأستاذ الجامعي الباحث، ونظراً لتعدد العوامل التي تؤثر في نوعية وأهداف نتاجه البحثي فعلى إدارات البحوث في مؤسسات التعليم العالي التأكيد على أهمية تحقيق التميز والريادة في مجالات البحوث المختلفة وذلك من خلال الاستغلال الأمثل لطاقات الباحثين في الأقسام المختلفة، بحيث يكون ذلك من خلال تحديد جماعات بحثية متخصصة حتى تنسجم طاقات الباحثين مع الأهداف المرسومة لسياسة البحث العلمي في حقول علمية محددة مع الحفاظ على تشكيل المجموعات البحثية لأطول فترة زمنية ممكنة لتحقيق الأهداف المرسومة، وتوفير قاعدة تبادل المعلومات التي تيسر للباحثين التعاون مع نظرائهم في مؤسسات التعليم الأخرى. وبعد تحديد الأهداف الأساسية للبحث العلمي يصبح وجود صيغة دقيقة لتقويم الأنشطة البحثية لأستاذ الجامعة الباحث أمراً ضرورياً ومحركاً فاعلاً لتنشيط البحوث العلمية المتميزة التي ينبغي أن تحقق التميز والريادة لمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي. هذه الورقة تهدف إلى تحسين عملية تقويم الأداء البحثي للأستاذ الجامعي الباحث في مؤسسات التعليم العالي في المملكة العربية السعودية حتى يستطيع الإسهام بصورة فاعلة لتحقيق ما ترجوه هذه المؤسسات من تميز وريادة، ولهذا الغرض فإن الورقة: 1- تعرض بعض الصيغ التي قد اقترحت أو عمل بها سابقاً في تقويم جميع نشاطات الأستاذ الجامعي بما فيها نشاطه البحثي. 2- تقدم عرضاً تحليلياً عن مدى ملاءمة هذه الصيغ لتحقيق التميز والريادة في مجالات البحوث. 3- تخلص إلى تقديم بعض المقترحات التي يرجى من اعتمادها وتطبيقها في توجيه وتقويم النشاط البحثي للأستاذ الجامعي الباحث «في مؤسسات التعليم العالي» تنشيط البحث العلمي المتميز الذي يحقق التميز والريادة للباحثين في حقول علمية دقيقة ومتخصصة تتجاوز الحيز الضيق الذي غالباً ما يحيط بغالبية البحوث التطبيقية التي يتم اعتمادها وتنفيذها من خلال خطط قصيرة المدى. اللائحة الموحدة للبحث العلمي: انطلاقاً من أهمية الدور الذي ينبغي أن تضطلع به مؤسسات التعليم العالي في مجالات التنمية كافة قامت مؤخراً الأمانة العامة لمجلس التعليم العالي بإصدار اللائحة الموحدة للبحث العلمي في الجامعات وبدراسة هذه اللائحة نجد أنها مكونة من تسعة أبواب شملت جميع الجوانب التي تهم البحث العلمي جاءت كما يلي: 1- أهمية البحث العلمي. 2- أهداف البحث العلمي. 3- التنظيم الإداري للبحث العلمي. 4- أنواع البحوث ومصادر تمويلها، ومكافآت القائمين عليها. 5- جوائز البحث العلمي. 6- النشر العلمي. 7- أخلاقيات البحث العلمي. 8- المجلات العلمية. 9- أحكام عامة. إن محتويات هذه اللائحة تحمل أهمية بالغة وتعقد عليها آمال عريضة في تنظيم وتفعيل عملية البحث العلمي في شتى صوره، بل والدفع به إلى مجالات أرحب في مجالات البحوث الأساسية والتطبيقية على حد سواء. وحيث إن ما نحن بصدده في هذه الورقة هو محاولة استغلال مواد هذه اللائحة في تطوير صيغة جديدة لتوجيه النشاط البحثي للأستاذ الجامعي الباحث من أجل تحقيق التميز والريادة لمؤسسته في حقل تخصصه. يتضح من هذه المواد أهمية الدور الملقى على عاتق الأستاذ الجامعي الباحث وتعدد الأدوار التي يمكنه أداؤها من أجل تحقيق الأهداف العامة لسياسة البحث العلمي، إلا أن الصيغ المعمول بها في عملية تقويم ما يقوم به من أنشطة بحثية تبقى إلى حد كبير ميداناً واسعاً للاجتهاد حتى أصبح تكرار تبديل وتغيير هذه الصيغ أمراً مألوفاً في فترات زمنية قصيرة لايمكن الحصول منها على نتائج تدلل على فعالية أو عدم فاعلية تلك الصيغ في توجيه البحوث العلمية الأساسية والتطبيقية إلى الأهداف المنشودة في فترة زمنية محددة. ونظراً لأهمية وضوح واستقرار صيغ تقويم الأداء الأكاديمي والبحثي للأستاذ الجامعي نعرض لاحقاً صورتين من صيغ هذا التقويم؛ لكن قبل ذلك، وتمشياً مع أهداف هذه الورقة نقدم بعض الملحوظات حول مضامين هذه المواد. ملحوظات حول بعض مواد اللائحة الموحدة للبحث العلمي: وردت هذه اللائحة في تسع وخمسين مادة تنظيمية، ونرى أن هذه المواد في مجملها حددت الآليات المناسبة لتفعيل مناحي كثيرة من جوانب البحوث العلمية، لكن سنقصر الحديث هنا على المواد التي لها علاقة واضحة ومباشرة بموضوع هذه الورقة. وفيما يلي بعض الملحوظات: 1- يلاحظ أن غالبية فقرات المادة رقم (2) تركز على تحفيز الباحثين على إجراء البحوث الأصيلة والمبتكرة، الساعية إلى إثراء المعرفة المتخصصة، وبالتالي العمل على الارتقاء بالمستوى النوعي للدراسات العليا وتنمية أجيال جديدة من الباحثين المتميزين. وهذه أمور بطبيعة الحال قد تكون كفيلة (على المدى البعيد) بتحقيق التميز والريادة التخصصية. إلا إن احتواء فقرة خصوصاً حول تقديم المشورة العلمية وتطوير الحلول العلمية لحل بعض المشاكل التي تواجه المجتمع قد تدفع بأنشطة البحث العلمي إلى آفاق قد لا تتوافق مع الهدف الأساسي لمؤسسات التعليم العالي كمراكز عليا للبحث العلمي الدقيق المتخصص، حيث قد تصبح السمة الغالبة للبحوث والدراسات الجامعية هي خدمة المجتمع في أمور يمكن معالجتها من خلال مؤسسات أخرى متخصصة لا تضطلع بالمسؤوليات نفسها التي أنيطت بمؤسسات التعليم العالي. كما يلاحظ أيضاً عدم تحديد آلية دقيقة لجذب طلبة الدراسات العليا المتميزين الذين يمثلون العناصر الأساسية لبدء واستمرار البحوث العلمية وتحقيق الأهداف المرجوة من البحوث العلمية. 2- يلاحظ أن المادة رقم (17) وردت موجزة بصورة لا تتناسب مع أهمية البحوث العلمية للأستاذ الجامعي الباحث، ولاسيما أن كثيراً من هذه البحوث هي بحوث أساسية، وقد تكون أفضل السبل التي تدفع بمؤسسات التعليم العالي ومراكز البحوث إلى مراكز التميز والريادة. وهذا قد يوحي بعدم أهمية بعض البحوث التي يقوم بها بعض الباحثين بصورة مستمرة ولا تقع ضمن خطة البحوث المعتمدة. كما يلاحظ أيضاً عدم وضوح صور تقديم الخدمات اللازمة لإنجاز هذه البحوث التي يفترض أن يكون من ضمنها تعيين مساعد باحث أو أكثر للعمل مع كل أستاذ باحث نشط في تخصصه الدقيق من أجل ضمان الاستفادة من قدرات الباحثين ومساعديهم على حد سواء. 3- هناك ترابط وثيق بين عناصر المواد رقم (22، 31، 42) ويلاحظ أنها تحفز إلى الاهتمام بالبحوث الأساسية والمبتكرة، إلا أن عدم احتواء اللائحة على توجيه بضرورة تحديد خطة بحثية يرغب في تحقيقها في فترة زمنية محددة قد يجعل من تفعيل بعض هذه المواد عرضة للاجتهاد من قبل الباحثين والمقيمين، وبالتالي فإن العملية البحثية قد لا تحقق الأهداف المرجوة منها كما ينبغي. 4- يلاحظ في المادة رقم (42) ومن خلال سياق تحديد الإنتاج المترجم إيراد عبارة «ذا جدوى علمية أو تطبيقية ملموسة» وهذا أيضاً قد يكون مجالاً خصباً لاجتهاد المقيمين، بل إن عدم تحديد المجالات التي ينبغي أن تحظى بأولية الدعم في فترة زمنية محددة قد تؤدي إلى وأد كثير من الجهود النافعة في هذا المجال. صيغ تقويم الأستاذ الجامعي الباحث: نظراً لتعدد الأدوار التي يرجى من الأستاذ الجامعي القيام بها في عدة مجالات ومنها: التعليم الجامعي كوسيلة لنقل أساسيات العلوم إلى الأجيال الناشئة. عملية البحوث الأساسية والتطبيقية. خدمة المجتمع. تتعدد أيضاً وسائل التقويم للجهود المبذولة لتحقيق هذه الأدوار. وحيث إن وسائل التقويم لا تخلو من الاجتهاد فيجب أن تخضع هذه الوسائل نفسها لعملية تقويم ودراسة دورية، تهدف إلى معرفة مدى معرفة فعاليتها في تحقيق الأهداف المرسومة «إن كانت محددة سلفاً بصورة جيدة!». ولا يمكن لذلك أن يتحقق إلا من خلال دراسات إحصائية مبنية على استخدام تلك الوسائل بصورة مستمرة لمدة زمنية بعيدة المدى ودون تغيير أو تبديل في المعايير المستخدمة في التقويم. ما يهمنا هنا هو النشاط البحثي للأستاذ الجامعي، وهل تصب نتائجه النهائية على المدى البعيد في إطار خطة بحثية محددة الأهداف تنشد التميز والريادة في حقل معرفي متخصص، أم أن هذا النشاط يخدم أهدافاً محددة في المنظور القريب، وقد تقل أو تنعدم سمة التواصل بين نتائج هذا النشاط، حيث نرى أن ما نشر من أبحاث أساسية -في معظم الجامعات العربية- تغلب عليه سمة عدم التواصل الذي ينبغي أن تتميز به البحوث العلمية، وهذا بلا شك أمر يدعو إلى القلق، ويشكل عائقاً أساسياً كانت محصلته الطبيعية عدم تحقيق معظم هذه الجامعات درجات مرضية من التميز والريادة التي ينبغي تحقيقها في مجالات تخصصاتها. ومع أن سمة عدم التواصل هذه قد تعزى إلى عوامل مختلفة ومتعددة، لكن يمكن القول بأن وجود أهداف واضحة ومحددة للبحوث في فترة زمنية معينة، وكذلك وجود وسائل دقيقة لتقويم النشاط البحثي للأستاذ الجامعي الباحث «وهو المحرك الأساسي لكافة الجهود» كفيل بضمان ذلك التواصل المطلوب. ولأهمية هذه الوسائل نقدم صيغتين لهذا الغرض: إحداهما عمل بها فعلاً في إحدى كليات جامعة الملك فهد للبترول والمعادن «انظر الشكل رقم 1». والثانية طورت مؤخراً «انظر الشكل رقم 2»، لكنها حسب علم الباحث مازالت تحت الدراسة والتقويم، ويتوقع اعتمادها قريباً في إطار اللائحة الجديدة المنظمة لأنشطة التدريس والبحث وخدمة المجتمع التي يتوقع أن يقوم بها الأستاذ الجامعي. ونظراً لعلاقتها المباشرة بموضوع هذه الورقة نقتصر على عرض لائحة تنظيم النشاط البحثي للأستاذ الجامعي. ونقدم فيها يلي ملحوظات حول هاتين الصيغتين. أولاً: ملحوظات حول الصيغة الموضحة في الشكل رقم (1): لقد عُمل بهذه الصيغة حسب علم الباحث في بعض أقسام كلية العلوم الهندسية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن. وفيما يلي بعض الملحوظات التي نرى أنها تخدم أهداف موضوع هذه الورقة. 1- فصلت هذه الصيغة بين تعليم مواد الدراسات العليا والإشراف على بحوث طلاب الدراسات العليا وما ينشره الأستاذ الجامعي وبين مجال البحوث ولا تحتوى على معيار ربط يؤكد أهمية الترابط بين هذه الأنشطة. ونظراً لأهمية الارتباط الوثيق بين هذه الأنشطة وتلازمها مع أهداف أنشطة البحث العلمي فينبغي ضمها في مجموعة واحدة تؤكد أهمية دفعها لحركة البحث العلمي الهادف لتحقيق أهداف بحثية محددة في إطار زمني معين. 2- هذه الصيغة لا تميز بين الجهود المبذولة في تعليم مواد الدراسات العليا ومواد الدراسات الجامعية، وقد ينتج عن ذلك تساهل بعض الأساتذة الجامعيين في ربط تدريس مواد الدراسات العليا بالحركة المتسارعة للبحوث العلمية أو عدم الرغبة في تعليم تلك المواد ومتابعة الجديد فيها. 3- هذه الصيغة لا تضع حداً لعدد طلاب الدراسات العليا (مساعدي الباحثين) الذين يسمح للأستاذ الباحث بالإشراف عليهم خلال فترة زمنية محددة، ونظراً لأهمية هذا التحديد من أجل الدفع بالبحوث العلمية فينبغي تقنين توجيه مساعدي الباحثين من خلال تنظيم تتولى تطويره وتنفيذه إدارات البحث العلمي في مؤسسات التعليم العالي التي ترى أن دفع البحث العلمي إلى آفاق أوسع لا يتم إلا من خلال التخطيط الإداري السليم. 4- هذه الصيغة تغفل الجهود المبذولة في تطوير مقترحات بحثية مازالت تحت التقويم أو المراجعة. 5- تفتقر هذه الصيغة إلى بعض المعايير التقويمية الدقيقة والأساسية التالية: - مؤشر الأداء. - نسبة النشاط إلى كافة مجموع الأنشطة. - مقياس أولوية النشاط البحثي نسبة إلى بقية الأنشطة الأخرى. - ارتباط مجال البحث العلمي بخطة زمنية بعيدة المدى يعدها الأستاذ الباحث وتكون ضمن تخصصه الدقيق. وسنرى لاحقاً تعريفاً لهذه المعايير وكيفية استخدامها من أجل الحصول على صيغة جديدة لتقويم كافة الأنشطة بصورة عامة والنشاط البحثي بصورة خاصة. ثانياً: ملحوظات حول الصيغة الموضحة في الشكل رقم (2): تقع هذه الصيغة في الإطار العام للائحة المنظمة «المقترحة» لتقويم النشاط العام للأستاذ الجامعي، وقد صدرت عن وكالة الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن (الظهران) ومع علم الباحث بأن هذه الصيغة مازالت تحت الدراسة والمراجعة، وربما التعديل، إلا أن إيراد بعض الملحوظات حول محتويات هذه الصيغة يخدم أيضاً أهداف موضوع هذه الورقة، ومن هذه الملحوظات ما يلي: 1- يلاحظ أن هذه الصيغة قسمت مجموعة الأساتذة الجامعيين إلى ثلاثة أقسام: باحثين، غير باحثين، ومجموعة خاصة وتشمل الإداريين والأساتذة القدامى والمتفرغين علمياً. 2- يلاحظ أيضاً تأكيد هذه الصيغة على أهمية نشر البحوث في دورات علمية عالية المستوى وهذا أمر محمود، ولكن لم تحو هذه الصيغة في مجملها ما يؤكد أهمية استمرار وتواصل البحوث في مجالات علمية محددة وضمن سياسة عامة، تهدف إلى دفع البحث العلمي إلى التميز والريادة على المدى البعيد. 3- تفتقر هذه الصيغة إلى بعض المعايير العددية الدقيقة مثل: مؤشرات الأداء، نسبة النشاط إلى كافة مجموع الأنشطة، ومقياس أولوية النشاط البحثي نسبة إلى بقية الأنشطة الأخرى. 4- يلاحظ أيضاً عدم وجود تحديد دقيق لنوعية المشاريع التي تستحق الأولوية في الدعم على غيرها، ولا تحتوي هذه الصيغة على ما يدلل على أهمية إعداد الكتاب الجامعي المناسب بطريقتي التأليف والترجمة. 5- ورد في هذه الصيغة استخدام عبارة «التميز في البحث» ولم تورد هذه الصيغة تعريفاً دقيقاً يدفع بالباحثين إلى الحرص على التميز الحقيقي من خلال أبحاث أساسية تبنى على نتائج سابقة وتنطلق إلى آفاق جديدة. صيغة مقترحة لتنشيط التميز في البحث العلمي: إن كل مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي تطمح إلى التميز والريادة في كل علم من العلوم التي تختص فيها، إلا أن تحقيق تلك الطموحات قد يكون صعب المنال، حتى عند توفر الإمكانات المادية اللازمة، متى ما غاب تكامل الأمور الأربعة الأساسية التالية: - سياسة بحثية هادفة ومحددة. - أستاذ جامعي باحث متميز. - تنظيم دقيق لعملية دعم عملية البحوث. - وسائل تقويم عددية لتقويم أهداف البحوث الجارية والمقترحة ومدى تحقيق أهدافها في فترة زمنية محددة. ولذا ينبغي وجود التنظيم الإداري الذي يضمن وجود وتكامل هذه الأمور في كل الأوقات من أجل تحقيق الطموحات المرجوة من البحوث العلمية. إن مؤسسات التعليم العالي في عمومها تضطلع بمهام عديدة ومتنوعة يمكن إجمالها في عمليات التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع، لكن من المتعارف عليه جيداً في الأوساط العلمية أن تحقيق التميز والريادة لا يكون من خلال التعليم فقط أو من خدمة المجتمع فقط، بل يعتبر النشاط البحثي ونتائجه الموثقة في القنوات المعروفة هي الوسائل والمعايير العالمية الأساسية لهذا الغرض. ومع تعدد مجالات البحوث وتنوع صورها ، إلا أنها لابد أن تكون إما بحوثاً أساسية أو تطبيقية، ونظراً لمحدودية أهداف البحوث التطبيقية فإن البحوث الأساسية ونتائجها الموثقة تبقى أفضل وسيلة لتحقيق التميز والريادة التي يطمح إليها كل باحث، بل وكل مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي حتى ولو بعد فترة زمنية غير قصيرة. ولقد ذكرنا فيما سبق أن الصيغ المستخدمة لتقويم الأستاذ الجامعي يمكن أن تسهم بصورة فاعلة في تنشيط جهود الباحثين في كافة المجالات «من بحوث أساسية، تطبيقية، تأليف، ترجمة...إلخ» متى ما وضعت في صورة محددة وموجهة لتحقيق أهداف معينة- بناء على ما يتوفر من إمكانات وخبرات بحثية من خلال أعضاء هيئة التدريس الباحثين- شريطة أن تخضع هذه الصيغ للتقويم والدراسة اعتماداً على النتائج التي تتحقق في فترة زمنية معينة وبدون إغفال المتغيرات أو العوائق التي قد تطرأ. ولكي تكون هذه الصيغ فاعلة فلابد أن تعتمد على معايير تقويمية عددية دقيقة تأخذ في الاعتبار جميع المتغيرات التي قد تؤثر على نشاط الباحث. ولهذا الغرض فإن دراسة الملحوظات التي قدمت حول الصيغتين التقويميتين اللتين تم تطويرهما في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن يدلل على ضرورة تبني وسائل جديدة ودقيقة لتنشيط البحث العلمي الأساسي في جميع التخصصات في فروع العلوم الطبيعية والتطبيقية. ونظراً لأهمية استمرار البحوث العلمية في اتجاه معين ومحدد لفترة زمنية متواصلة- تفادياً لما قد يحصل من تنوع البحوث غير المترابطة من باحث واحد- ومن أجل تحقيق التميز والريادة في التخصصات الدقيقة لابد لأي صيغة توضع لتقويم نشاط الباحثين من أن تضع المعايير العددية المناسبة لهذا الغرض. ونقدم فيما يلي وصفاً موجزاً لصيغة عددية مقترحة لهذا الغرض، حيث تعرض الصيغة في جدولين متتاليين (جدول رقم 1، جدول رقم 2) بحيث تستخدم نتائج الجدول الأول في إكمال الجدول الثاني. وبالنظر إلى أهداف هذه الورقة يلاحظ في الجدول (رقم 1) أن هذه الصيغة تهدف إلى تنشيط عملية البحث العلمي المتميز من خلال تقسيم الأنشطة البحثية للأستاذ الجامعي في ثلاث مجموعات أساسية هي : 1- تدريس طلاب كلية الدراسات العليا والإشراف على بحوث عدد محدد منهم. 2- البحوث الأساسية. 3- البحوث التطبيقية والأوراق المقدمة في المؤتمرات العلمية وغيرها. ويلاحظ أيضاً من مكونات هذه الصيغة احتواؤها على تقويم عددي لكل المقومات الأساسية للنشاط البحثي للأستاذ الجامعي، كما احتوت على وسيلة لقياس أهمية النشاط البحثي ودرجة اكتماله ومدى تواصله وارتباطه مع الأنشطة السابقة للباحث؛ لما لهذا التواصل والترابط من أهمية بالغة في تحقيق التميز والريادة لأي جماعة بحثية (يرأسها باحث علمي متخصص) تعمل لتحقيق أهداف بحثية محددة في إطار زمني معين. أما الجدول (رقم 2) فيحتوي على ملخص كامل لتقويم جميع الأنشطة التي يتوقع أن يقوم بها الأستاذ الجامعي ومن ضمنها نشاطه البحثي، ولذا فإن إكمال الجدول (رقم 2) يعتمد على النتائج التي يحصل عليها من الجدول (رقم 1) كما يلاحظ هنا أن هذه الصيغة التقويمية تؤكد ضرورة فصل عملية تقويم النشاط البحثي للأساتذة الباحثين عن بقية الأنشطة الأخرى. ويرجى من هذا الفصل وضوح مجالات التميز والريادة في مجالات البحوث العلمية، وسهولة عملية تقويم درجة التميز من خلال دراسة تحقيق الأهداف التي يحددها الباحثون أنفسهم. خلاصة ومقترحات: انطلاقاًَ من حرص جميع مؤسسات التعليم العالي، ومنها الجامعات والمعاهد العليا ومراكز البحوث، إلى تحقيق التميز والريادة في كافة مجالات تخصصاتها، ونظراً لتعدد الأنشطة التي يتوقع من الأستاذ الجامعي القيام بها، ولكونه هو المحرك الفعلي لحركة البحوث العلمية بجميع أنواعها فإن على الجهات المسؤولة عن تنظيم أنشطة البحوث العلمية ما يلي: 1- وضع لائحة موحدة ومنظمة لأنشطة الباحثين «كل في مجال تخصصه الدقيق» على أن تحتوي هذه اللائحة على أهداف واضحة يرجى تحقيقها من خلال أنشطة الباحثين في فترة زمنية محددة. 2- توفير الدعم اللازم لكل باحث وضرورة توليه رئاسة جماعة بحثية في حقل تخصصه الدقيق يكون معظم أعضائها من طلبة الدراسات العليا (باحثين مساعدين متميزين) والعمل على إيجاد آليات جذب للطلبة المتميزين للالتحاق في برامج الدراسات العليا من أجل تحقيق الفائدة الحقيقية من برامج الدراسات العليا. وبالنظر إلى المسؤوليات الرئيسة التي أنيط بمؤسسات التعليم العالي تحقيقها (التدريس، البحوث، خدمة المجتمع) يجب الاعتراف بأن النشاط البحثي المترابط والمتواصل هو العامل الأساسي الذي ينبغي أن تعقد عليه الآمال لتحقيق التميز والريادة لأي جماعة بحثية في هذه المؤسسات. من هذا المنطلق تتضح أهمية استخدام صيغة دقيقة لتقويم نشاط الأستاذ الجامعي بصورة عامة وتقويم النشاط البحثي على وجه الخصوص. ولضمان فعالية هذه الصيغة لخدمة الأهداف المتوخاة من البحث العلمي ينبغي احتواؤها على معايير دقيقة منها: نسبة النشاط في مجموع الأنشطة، مؤشر الأداء، وأولوية النشاط البحثي نسبة إلى بقية الأنشطة الأخرى. وينبغي أيضاً احتواء هذه الصيغة على مؤشر معياري لقياس أهمية النشاط البحثي ودرجة اكتماله وتواصله مع البحوث السابقة للباحث، بل واستمرار اتجاه البحث، حيث إن كل هذه الأمور متطلبات أساسية لتحقيق التميز والريادة البحثية في التخصصات الدقيقة في العلوم الطبيعية والتطبيقية. ولذا عرضت هذه الورقة صيغة مقترحة لتنشيط عملية البحوث العلمية الأساسية التي يرجى منها تحقيق التميز للجماعات البحثية في مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، لكن ينبغي التأكيد هنا بأن الفائدة المرجوة من اعتماد هذه الصيغة يعتمد على درجة تبني عدة أمور تنظيمية لدعم جميع مقومات عملية البحوث العلمية ومنها: 1- إيجاد جماعات بحثية في كل مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي اعتماداً على التخصص الدقيق لكل باحث وخبراته السابقة، بحيث يوكل إلى كل مجموعة تحقيق أهداف بحثية محددة. 2- تحديد أهداف بعيدة المدى لكل جماعة بحثية والعمل على تحقيق الأهداف في إطار زمني محدد. 3- دعم أنشطة الجماعات البحثية من خلال تسهيل إجراءات توفير المعدات اللازمة لإكمال أعمالها، وإيجاد آليات جذب للباحثين المساعدين المتميزين، بحيث تسهم كل جماعة بحثية في تطوير هذه الآليات من خلال التعاون مع إدارات (عمادات) البحث العلمي. 4- تأكيد أهمية استمرار البحوث التي يقوم بها الباحثون وضرورة الترابط بين هذه البحوث، ولهذا الغرض يمكن استخدام نتائج التقويم وصيغة التقويم المقترحة في هذه الورقة لقياس درجة تحقيق الترابط بين البحوث التي تقوم بها كل جماعة بحثية. 5- تقديم الدعم المعنوي والمادي للأساتذة الباحثين من أجل تكوين الجماعات البحثية (كل في حقل تخصصه الدقيق) ودعمه بعدد من الباحثين المساعدين المتميزين شريطة تطوير خطة بحثية مقترحة خلال فترة زمنية معينة، ووضع جدول زمني لتحقيق الخطة البحثية. 6- تفعيل دور إدارات البحث العلمي في متابعة مقترحات الجماعات البحثية وإعطائها الدور الإداري الفاعل في تقنين عملية تكوين الجماعات البحثية، وتأكيد أهمية الارتباط الوثيق والتوافق بين الاهتمامات البحثية لكل عضو في الجماعة البحثية مع الأهداف بعيدة المدى لكل جماعة بحثية. 7- تقويم الصيغ المستخدمة لتقويم أنشطة الأستاذ الجامعي من خلال تحليل النتائج المتحققة من أنشطة الأستاذ الجامعي الباحث، أو من أنشطة الجماعات البحثية في فترة زمنية كافية. 8- تنشيط حركة تأليف الكتب الدراسية وترجمتها من خلال خطة مرحلية تعد بناء على أولويات واحتياجات الأقسام الأكاديمية، وضرورة إنشاء دور نشر علمية متخصصة يكون دورها المبادرة والمساهمة في دفع حركة التأليف والترجمة من خلال تجنيد أكبر عدد من الأساتذة المتخصصين في تنفيذ مشاريع تأليف وترجمة علمية تكون من ضمن خطط بعيدة المدى تعدها مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي. ومع الاعتراف بأهمية النتائج التي قد تدلل عليها أي صيغة تستخدم لتقويم أنشطة البحوث بناء على ما يتحقق من نتائج، إلا أن المعايير الرقمية المستخدمة في الصيغة المقترحة في هذه الورقة تبقى نسبية، ويمكن استبدالها بما يناسب الخطط البحثية ومجالات التخصص في كل مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي التي تسعى إلى التميز والريادة في حقول تخصصها. والله الموفق

 

 المفهوم العام لعلم التأصيل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. أبو مؤيد المصري
نشيط
د. أبو مؤيد المصري


ذكر العمر : 54
تاريخ الميلاد : 01/01/1970
الموقع : موقع ومنتديات مجمع شعاع النور الإسلامي
عدد المساهمات : 8

المفهوم العام لعلم التأصيل Empty
مُساهمةموضوع: المفهوم العام لعلم التأصيل   المفهوم العام لعلم التأصيل Icon_minitimeالأحد 7 أغسطس 2011 - 16:09

مفهوم التأصيل:
التأصيلُ مصطلحٌ يدلُّ على مفهوم، لكنّ المفهومَ غير محدد تماماً؛ إذْ قد ينصرفُ إلى دلالات متعددة، وقد تكون متناقضةً. ولذلك يجدرُ بالباحث أن يُعرِّف بالمصطلحات التي يختارُ استعمالَها في بحثه بدلالةِ أهداف البحث وإجراءاته، ضمن ما أصبح يعرف في مقدمات البحوث بالتعريف الإجرائي لمصطلحات البحث.
ويبدو أنّ اختيارَ المصطلح يخضعُ لعدد من الاعتبارات، بعضُها فكريٌ بحتٌ، لكنَّ بعضَها لا يخلو من ايحاءاتٍ سياسية. وربما ينطبق ذلك على مصطلح التأصيل. ومع ذلك، فإننا إذا تجاوزنا الدلالات المحددة التي اختارتها بعض المؤسسات لبرامجها ومشاريعها الفكرية، عند استعمالها لمصطلح التأصيل أو المصطلحات القريبة منه، فإننا نجد دلالاتٍ عامةً تكاد تكون مقبولة بشكل عام.
فالتأصيل هو البناء على الأصل، والانطلاق منه، والارتباط به. والأصل هو القاعدة التي يتم البناء عليها، فمثلاً عند قولنا: "الأصل في الأشياء الإباحة"، يمثل هذا قاعدةً شرعية في بيان الأحكام، ويتم تطبيق القاعدة على الحالات والأمثلة والقضايا، حتى يتم الحكم عليها والخروج برأي فيها. فالتأصيل في هذا المجال، هو النظر في الأمور والقضايا المراد الحكم عليها، بردّها إلى القاعدة التي يلزم تطبيقُها، فلا تردُّ إلى قاعدةٍ غيرِها، ولا يُنْظَرُ إليها نظرةً مستقلة، وكأنَّها شيءٌ لا أصل له.
والأصل هو ما ليس بفرع، وتربط الفروع بالأصول حتى يتمَّ تكوينُ الرُّؤْيَةِ الكليّة التي يصعب تكوينُها من النظر إلى فرعٍ واحدٍ، أو عددٍ من الفروع المتفرقة والمفصولة عن أصلها.
وتأصيل الشيء أو الفكرة يكونُ بِرَدِّها إلى أصلها، أو إيجاد أصل لها ضمن النظام المعرفي المعتمد في موضوع البحث، فتأصيل الفكرة هو بحث استرجاعي Retrospective يحاول ربط الفكرة بتاريخها وماضيها، أو هو بحث تحليلي يحاول ربط الفكرة الفرعية بأصلها الكليّ، أو المثال بقاعدته.
وتتضمنُ عمليةُ التأصيلِ توليدَ الأفكارِ الجديدة من أصولها وقواعدها، عن طريق الاستدلال الاستنباطي Deductive inference. فالفكر المؤصَل هو الفكر الذي يتم التوصل إليه من استلهام الأصول أولاً، والاشتقاق من هذه الأصول ثانياً، وكل فكر لا يتصف بذلك فكر غير مؤصَّل.
وارتبط التأصيل في اللغة المستعملة بالأصالة، بمعنى الجِدَّةِ والإبداعِ؛ فالفكرةُ الأصيلة فكرةٌ جديدةٌ غيرُ مسبوقة. والبحثُ الأصيل هو البحث الجديد الذي يُعرَضُ للمَرَّةِ الأولى. ومع ذلك فقد ارتبط التأصيل في اللغة المستعملة بالماضي، فالأصيل هو ما له أصلٌ في الماضي، ومن ثم أصبحت الأصالةُ تقابلُ المعاصرة. وحين نشعر بالحاجة إلى تأكيد هذا العمق التاريخي في الانتماء والهوية، دون التقليل من أهمية الاستجابة لمتطلبات العصر ومستجدات الحداثة، نجمع المعاصرة إلى الأصالة في شعار إيجابي مشترك.
أما مصطلح التأصيل الإسلامي، فهو واحد من عدد من المصطلحات التي ترتبط ببعضها فيما يكوّن حقلاً دلالياً واحداً، فالتأصيل الإسلامي لعلم الأخلاق أو القيم، وإسلامية علم الأخلاق، وأسلمة علم الأخلاق، والتوجيه الإسلامي لعلم الأخلاق، وعلم الأخلاق في المنظور الإسلامي، كلها مصطلحات تنتمي إلى الحقل نفسه، ولكن اختيار أي منها قد لا يكون بالضرورة قراراً معرفياً منهجياً، بقدر ما يكون رغبة في استبعاد الدلالات والظلال، التي ربما توحي بها المصطلحات الأخرى.
ونكتفي في هذا المقام ببيان ما قد تشير إليه هذه المصطلحات، من خلال الإحالة إلى طبيعة البرامج التي حاولت ثلاث مؤسسات تطويرها، وعلاقة كل منها بالمصطلح الذي قررت اختياره؛ فالمعهد العالمي للفكر الإسلامي اختار مصطلح "إسلامية المعرفة"، وجامعة محمد بن سعود الإسلامية في الرياض اختارت مصطلح "التأصيل الإسلامي للعلوم"، وجامعة الأزهر في القاهرة استعملت مصطلح "التوجيه الإسلامي للعلوم".
لقد انصرف مفهوم التأصيل الإسلامي لموضوع معين في كثير من: الأدبيات، والممارسات، وبعض المشروعات، إلى معانٍ ودلالات يمكن أن نميز منها:
- إضافة ما يُظن أنّه أصل إسلامي للمعرفة المعاصرة في ذلك الموضوع، وذلك بربط هذا الموضوع بما قد يتوافر من نصوص القرآن الكريم، أو الحديث النبوي الشريف، أو شيء من تراث المسلمين الماضي. ومثال ذلك تأليف كتاب في علم النفس، فيه نقل وترجمة لما في أي كتاب في علم النفس، يعرض نظريات المدارس النفسية مثل: التحليل النفسي، أو السلوكية، أو الإنسانية...، ثم يضاف إلى الكتاب فصل يحتوى على بعض الآيات والأحاديث، التي يظن المؤلف أنها تتعلق بعلم النفس المعاصر، وربما يحتوي الفصل على مقتطفات من كلام أبي حامد الغزالي، أو ابن سينا، أو غيرهما عن النفس، ثم يُعطى للكتاب عنوان: علم النفس الإسلامي!
- ومنها محاولة إنشاء معرفة جديدة في الموضوع، انطلاقاً من الأصول الإسلامية في القرآن الكريم، أو السُّنَّة النبويّة، أو التراث الإسلامي، "فما ترك السابق للاحق شيئاً" يبحثه، مع الزعم بإقامة قطيعة معرفية مع أية مصادر أخرى. وبخاصة المصادر الغربية الحديثة. ومثال ذلك تأليف كتاب عن النظام السياسي في الإسلام، يعيد المؤلف فيه صياغة محتوى كتاب الأحكام السلطانية للماوردي، وأمثاله من الكتب، دون أن يتحدث عن تراكم الممارسات والتجارب المتنوعة في أنظمة الحكم، وعلاقتها بالمبادئ السياسية الإسلامية.
- وثمة معنى ثالثٌ، يرى قيام التأصيل على ثلاثة متطلبات أساسية لا يغني أحدها الآخرين. المتطلب الأول: هو التَّمكُّن من المرجعية الإسلامية، والمواد الإسلامية ذات العلاقة بالموضوع المراد تأصيله، سواءً أكانت نصوصاً من القرآن الكريم، أم السُّنَّة النبوية، أو نصوصاً مختارة من تراث العلماء المسلمين، والمتطلب الثاني: هو التَّمكُّن من الأدبيات ذات العلاقة بالموضوع في الفكر الإنساني المعاصر، والمتطلب الثالث: هو القدرة على الجمع بين نتائج الفهم والاستيعاب لحصيلة كل من المتطلبين السابقين، ومن ثم القيام بقفزة إبداعية تُنتج معرفةً تتّصف بالإسلامية أو التأصيل الإسلامي.
إن تقدير الجهود التي تقوم بها بعض المؤسسات التي تدعو إلى التأصيل، واحترام خيارات هذه المؤسسات، لا تمعنا من الإشارة إلى أن ثمة تطرفاً في بعض أدبيات التأصيل، التي تقول بأن المعرفة الإسلامية الأصيلة لن تكون إلاّ نتيجة مباشرة من النظر في النصوص، ومعرفة دلالاتها كما وردت في تراث المسلمين السابقين، مع قطيعة معرفية بالواقع البشري المعاصر، ومعطياته المعرفية. ونرى أن إمكانية هذا اللون من التأصيل، ليست إلاً وَهْمَاً كبيراً! لكن من العدل أن نشير أيضاً إلى تطرفٍ في الاتجاه الآخر، وهو القول بأن جهود التأصيل ليست أكثر من تعبير عن سياسة الهروب من الواقع، وأن تحليل الفكر الأصولي يكشف عن استحالة التأصيل، ومن ثمَّ فلا سبيل أمام الشعوب المسلمة لتحقيق تقدمها، إلا بالتماهي والاندماج في تيارات الحداثة وما بعد الحداثة، كما حدثت وتحدث في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، وهذا القول الثاني هو أيضاً وَهْمٌ، وهو وَهْمٌ أكبر من الأول!
والبحث عن الوصف الحق بين هذين اللونين من التطرف في فهم موضوع التأصيل، قد لا ينفع فيه القياس الكمي لتحديد النقطة الوسط، الذي هو الفضيلة بين رذيلتين، بل الأكثر نفعاً في سبيل تحديد دلالة التأصيل الذي نراه، هو الانطلاق من مرجعية يسهل الاتفاق عليها، والجمع بين ما يمكن أن يكون حقاً وخيراً وفضيلة في أي طرف، واستبعاد عناصر الفساد والشَّر منه، وبناء معادلة معرفية موزونة تبقى مفتوحة لإعادة التوازن إليها،كلما ازددنا علماً يستوجب التعديل والتصحيح.
المعادلة المعرفية في التأصيل الإسلامي:
إنَّ أيَّ معرفةٍ بشرية يُمْكِنُ للمسلم أن يتبنَّاها سوف تأتي من مصدريْن، هما: الوحي والكون، وعن طريق استخدام أداتَيْن، هما: العقل والحِسّ. والوحي هو القرآن الكريم، وهو المصدر المنشئ، والسُّنَّة الصحيحة هي البيان النَّبوي الملزم. أما الكون فيمكن أن نميز فيه ثلاثة عناصر: الكون المادي (أشياء الطبيعة وأحداثها وظواهرها)، والكون الاجتماعي (المجتمع البشري بشعوبه وقبائله وما تتمايز به من دول وأديان ولغات وقيم، وما أنجزته من علوم وتقنيات وثقافات وحضارات)، والكون النفسي (الشخصية الإنسانية بما تنطوي عليه: جسم وعقل وروح، وما تمتلكه من معارف ومهارات وانفعالات...)
وأداتا المعرفة هما: الحِسّ مِن: سمع، وبصر، وغيرهما، والعقل بدلالاته المتنوعة مِن: ملكات الإدراك، والفهم في الدماغ، والقلب، واللب، والفؤاد.
ومن ثَمَّ فإنّ معرفة المسلم حول موضوع معين، تأتي عن طريق الجمع بين القراءتين (أو القراءة في المصدرين: الوحي والكون)، ونتيجة للجمع بين وظيفة كل من الأداتين (الحس والعقل). ويتعاون مصدرا المعرفة، كما تتعاون أداتا المعرفة، في تزويد المسلم بالمعرفة. لكن معرفة المسلم سوف تبقى على أية حال معرفةً بشريةً، تنسب إلى الإنسان، وهو يتصف بها. وهي أمر مختلف عن عِلْم الله سبحانه، وعِلْم الملائكة، وعِلْم الكائنات الأخرى. فعلمُ الله مطلقٌ، وعلمُ الإنسانِ نسبيٌ يزيد وينقص، ويصح ويخطئ. وعندما يُعطِي اللهُ الإنسانَ شيئاً من علمِهِ، "يُعَلِّمُكُم مَا لَمْ تَكونُوا تَعْلَمُون،" فإنّ ما يكتسبه الإنسانُ من هذا العلمِ يصبحُ جزءاً من العلم البشري، ويبقى محدوداً بدلالاته ومعانية بحدود الإدراك البشري.
ويكون التأصيل الإسلامي على هذا الأساس، لموضوع من الموضوعات المعاصرة، هو البحث عما يمكن أن يتعلق بهذا الموضوع في القرآن الكريم المصدرِ المنشئ، وفي السُّنَّة النَّبوية المصدرِ المبين، والاطلاع على ما أنشأه علماء المسلمين من علم ومعرفة حول الموضوع، والاطلاع على المراجع المناسبة للمعرفة المعاصرة حول الموضوع. وسوف تكون هذه المصادر مدخلات تتحاور في عقل المسلم، فقد توجه نصوصُ القرآن والسُّنَّة نظرَ المسلم إلى التأمل في الموضوع لفهم بعض جوانبه، وقد تفيد المعرفةُ المعاصرة عقلَ المسلم المعاصر، في تأمّل دلالات هذه النصوص، واكتشاف بعض المعاني التي لم تَرِد في كتابات العلماء المسلمين من قبلُ،"فكم ترك السابق للاحق." وربما تصحِّحُ بعضَ ما كانوا قد وصلوا إليه؛ إذْ ليس كلُّ ما ورد في كتابات السابقين من البشر صحيحاً. وسوف يتمكن الباحث المسلم من رفض بعض معطيات المعرفة المعاصرة، والحكم على بطلانها؛ لأنها تتناقض مع القيم العليا والمقاصد العامة التي جاء من أجلها الإسلام، في حدود الفهم البشري لها في عصر معين أو جيل معين. وقد يقود هذا التناقض إلى مزيدٍ من البحث، لا يلبثُ أن يكشفَ عن جوانب التناقض الداخلي في بنية المعرفة نفسِها. وربما يتمكن الباحث المسلم من قبول بعض هذه المعطيات؛ لأنها نتيجة من نتائج الاستجابة المُلِحة لدعوة القرآن الكريم للإنسان، للسير، والنظر، والبحث، والتَّدَبُّر. وقد تكون بعض معطيات المعرفة بحاجة إلى شيء من التحديد أو التكييف أو التعديل. وكل هذه الاحتمالات ممكنة؛ إذ تحدث كل يوم، وهي ظاهرة طبيعية في تقدم العلم ونمو المعرفة، وفي كل يوم يكتشف الإنسان من المعرفة ما ينقض شيئاً مما كان لديه من الحقائق القارَّة لعقود أو قرون.
هذه المنهجية في التأصيل التي تعتمد الوحي مصدراً هادياً، سوف توجّه الإنسان المسلم إلى اختيار أولويات البحث بحكمة ورشد، وإلى ممارسة أخلاقيات البحث ضمن القيم العليا، والمقاصد العامة للدين، وإلى توظيف نتائج البحث في بناء الأمة، وتطور المجتمع، وترشيد الحضارة الإنسانية. وعندها يمكن لحركة العلم والتقانة، أن تسلم من التجاوزات التي رافقت حركة التقدم في التاريخ البشري، والتي جعلت من القرن العشرين -وهو قرن التقدم العلمي المذهل- أكثر قرون الزمن الإنساني دماراً، ودماءً، ومعاناةً بشرية.
هذه المنهجية في التأصيل إذن، هي نظر وبحث في كتاب الوحي، وفي كتاب الكون، وفي تراث السابقين واللاحقين من مسلمين وغير مسلمين، وحين تتدرج هذه المعارف التي يكتسبها الإنسان من هذه المصادر في تكاملها وتقاطع دلالاتها، فإنها تتحاور في قلب المسلم وعقله، وتترقَّى به، ويترقَّى بها، في مستويات الاستيعاب، ثم التجاوز، للوصول إلى الأصيل الجديد.
مفهوم التأصيل عند "دراز":
حين نختار مصطلح التأصيل الإسلامي، في الحديث عن كتاب محمد عبد الله دراز "دستور الأخلاق في القرآن" وليس مصطلحاً آخر، فذلك لأن المؤلف كان يبحث عن جوانب "الأصالة" في طريقة عرض القرآن الكريم للتعليم الأخلاقي، وقد تحدث عن ثلاثة جوانب من هذه الأصالة، تُنْبئُنا عن دلالة مصطلح الأصالة لدى "دراز". الجانب الأول من هذه الأصالة: أن القرآن قد تميز عن الكتب والرسالات السابقة "بذلك الامتداد الرحب الذي ضم فيه جوهر القانون الأخلاقي كله، وهو الذي ظل متفرقاً في تعاليم القديسين والحكماء، من المؤسسين والمصلحين، الذين تباعد بعضهم عن بعض، زماناً ومكاناً، وربما لم يترك بعضهم أثراً من بعده يحفظ تعاليمه."
والجانب الثاني من أصالة القرآن الكريم فيما يتعلق بالتعليم الأخلاقي، ماثل في: "طريقته التي سلكها لتقديم تلك الدروس المختلفة عن الماضين وتقريبها، بحيث يصوغ تنوعها في وحدة لا تقبل الانفصام، ويسوقها على اختلافها في إطار من الاتفاق التام، وذلك لأنه نزع عن الشرائع السابقة كل ما كان في ظاهر الأمر إفراطاً أو تفريطاً، وبعد أن حقق وضع التعادل في ميزانها... دفعها في اتجاه واحد، ثم نفخ فيها من روح واحدة، بحيث صار حقاً أن ينسب إليه بخاصة مجموع هذه الأخلاق."
أما الجانب الثالث فكتب عنه: "وأعجب من ذلك وأعظم أصالة جانبه الخلاق، فليس يكفي -في الواقع لكي نصف أخلاق القرآن-أن نقول: إنها حفظت تراث الأسلاف ودعمته، وإنها وفقت بين الآراء المختلفة التي فرقت أخلاقهم، بل ينبغي أن نضيف: أن الأخلاق القرآنية قد رفعت ذلكم البناء المقدس، وجمّلته، حين ضمت إليه فصولاً كاملة الجدة، رائعة التقدم، ختمت إلى الأبد العمل الأخلاقي."
فالأصالة عند دراز إذن تبدأ بالجمع والاستيعاب، ثم تعبر إلى التصحيح والتصويب، وتصل إلى الإبداع والجدة ونهاية خط التقدم. ويبدو أن هذا الفهم عند "دراز" قد تطور نتيجة الدراسة التي انتهت إلى هذا الكتاب، ولم تكن واضحة لديه عند البدء بالدراسة. ولعل عرضاً لموضوع الكتاب ومنهجه يوضح ذلك.
"دستور الأخلاق في القرآن" هو "دراسة مقارنة للأخلاق النظرية في القرآن الكريم." وهو في الأصل أطروحة دكتوراه من جامعة السوربون، قدمها الشيخ دراز بالفرنسية، وناقشها في الخامس عشر من ديسمبر عام 1947م، ونشرها الأزهر بلغتها الأصلية عام 1950م، ثم ترجمها وحققها الدكتور عبد الصبور شاهين، ونشرت طبعتها الأولى بالعربية عام 1973م.
ومع أن المؤلف قد التحق بجامعة السوربون بعد حصوله على الإجازة من الأزهر، فإنه في دراسته في فرنسا فضّل أن يبدأ الدراسة من بدايتها، فدرس العلوم الفلسفية والاجتماعية والنفسية في مستوى "الليسانس"، ثم واصل دراسته حتى الدكتوراه، ولذلك فإن أطروحته ليست دراسة في القرآن فحسب، وإنما هي دراسة مقارنة مع النظريات الغربية ذات العلاقة بالموضوعات التي يأتي عليها، وهي مقارنة تكشف عن عمق استيعابه، وتمكنه في العلوم الغربية وعلوم القرآن على حد سواء.
والهدف العام من دارسة دراز، هو الكشف عن الطابع العام للأخلاق النظرية والعملية في القرآن الكريم. وقد رأى المؤلف أن ينهج في دراسة الجانب الأخلاقي في القرآن الكريم منهجاً مختلفاً عن مناهج العلماء السابقين في التراث الإسلامي، فقد لاحظ أن التعاليم الأخلاقية في هذا التراث على نوعين: تمثل النوع الأول في النصائح العلمية، التي تهتم بالقيمة العليا للفضيلة، مثل رسالة ابن حزم "مداواة النفوس." أما النوع الثاني فتمثل في جهود بعض العلماء في وصف طبيعة النفس وملكاتها، وتحديد مراتب الفضيلة، بطريقة تتبع في الغالب نموذج أفلاطون أو نموذج أرسطو، مثل كتاب ابن مسكوية "تهذيب الأخلاق." كما لاحظ أن بعض العلماء من جمع بين المنهجين، كما في كتاب "الذريعة" للأصفهاني، وكتاب "إحياء علوم الدين للغزالي."
وبدلاً عن هذين الطريقين في تناول الموضوع، لجأ دراز إلى دراسة الأخلاق وفق المفاهيم السائدة لدى العلماء المتخصصين المحدثين، مع إعمال المرجعية القرآنية المباشرة. وموضوع الدراسة في السياقات المعاصرة، وفي سياق دارسة "دراز"، هو موضوع فلسفي، والفلسفة أفكار مترابطة نابعة من العقل، يتم بناؤها وفق منهج متسلسل، والهدف هو بناء نسق من المبادئ العامة التي تفسر ظاهرة من الظواهر النفسية، أو الاجتماعية، أو الطبيعية. ولا يستطيع الباحث أن يجد في القرآن الكريم نسقاً فلسفياً مدرسياً من هذا النوع؛ إذ إن للقرآن الكريم منهجه الفريد في تقديم الهداية وتيسيرها، بالاعتماد على الفطرة البشرية واستعداداتها، وإثارة الدافع النفسي الداخلي في بناء التطور الاعتقادي، والإيمان بالحقيقة الأخلاقية التي تفرض نفسها على الإنسان، بعيداً عن الأهواء والرغبات.
وقد جاء كتاب دراز في قسمين: تناول القسم الأول النظرية الأخلاقية كما يمكن استخلاصها من القرآن الكريم، وعالجها في خمسة فصول: الإلزام، والمسؤولية، والجزاء، والنية، والدوافع، والجهد البشري. أما القسم الثاني فقد تناول فيه الأخلاق العملية وعالجها في خمسة فصول على أساس تصنيف فئات الأخلاق: إلى الأخلاق الفردية، والأخلاق الأسرية، والأخلاق الاجتماعية، وأخلاق الدولة، والأخلاق الدينية.
لقد كان أساس البحث في الكتاب هو النظرية الأخلاقية، وحدد المؤلف عناصر خمسة هي: موضوعات الفصول الخمسة من القسم الأول المشار إليها، بوصفها "الأجزاء التكوينية ...والعُمُد الرئيسية لكل نظرية أخلاقية." وقد تبين للباحث أن الأخلاق القرآنية شملت جميع وجوه النشاط الإنساني. وقد فرّق المؤلف بين جانبِ الامتداد في شمول الأخلاق للنشاط الإنساني، فيما يظهر من سلوكه الخارجي في الميدان الحيوي والاجتماعي، وهو المجال الأوسع والأرحب، وجانبِ العمق في شمول هذه الأخلاق لحياة الإنسان الباطنية؛ إذ يبتغي حب الله، ويستوحي أمره ورضاه في كل موقف.
في المنهج القرآني يتحرك الضمير البشري في تعامله مع قضايا الإلزام الأخلاقي بدوافع المسؤولية التي تجمع بين المثال والواقع، وبين متطلبات الوجود المادي للإنسان ووجوده الروحي، وبين طموحاته الفردية ومصالح مجتمعه. والإنسان في النهاية يقوم بالفعل ويمارس السلوك؛ طلباً لصور من الجزاء الذي يتحقق بعضها مباشرة، عندما يرى أثر السلوك الخيّر ونتيجته، سمواً في المشاعر، ورضاً في الضمير، ويطمع أن يتحقق بعضها الآخر ثواباً وأجراً عند الله. وفي كل الأحوال، فإن الحاكم على طبيعة الجزاء على الفعل الأخلاقي، هو الباعث الداخلي على الفعل، وهو "النية الصالحة."
وهكذا تقوم القيم الخلقية على قاعدة من خصائص الفطرة البشرية، والباعث النفسي الداخلي؛ فالخالق سبحانه ألهم النفس فجورها وتقواها، حتى تتمكن من التمييز بين الخير والشر، والجميل والقبيح، والنافع والضار. والخالق سبحانه مكّن الإنسان من حرية اختيار السلوك على أساس تلك المعرفة التمييزية. وتنبعث في نفس الإنسان مشاعر متفاوتة نتيجة ذلك السلوك، ألا ترى أن النفس ترتاح وتأنس لسلوك الخير، وتضطرب وتأسى وتتكدر لسلوك الشر!
لكننا نعرف جيداً أن سلوك الإنسان لا يخضع في جميع الأحوال لقانون الأخلاق الفطري؛ إذ تتلوث الفطرة وتضعف النوازع الداخلية، نتيجة المؤثرات في البيئة الاجتماعية والتربوية، فتؤدي الأهواء إلى سوء تقدير المصالح، وتندفع إلى سلوك يتناقض مع متطلبات الفطرة السليمة الخيرة، وما تتطلبه من التزام بالقيم الخلقية السليمة.
وقد نهج المؤلف في معالجته للموضوع منهجاً يلائم السياق العلمي الذي جاء بحثه فيه، فهو يقدم بحثاً إلى جامعة السوربون في باريس، ويوجه خطابه إلى مجموعة من الأساتذة الفرنسيين، ومنهم كبار المستشرقين في تلك الفترة الزمنية مثل: ماسنيون، ولوسن، وفالون، وفوكونيه. ولذلك تجده ينطلق في بحثه من الإطار النظري الشائع في الدراسات الغربية المعاصرة، ويناقش آراء العلماء الغربيين ونظرياتهم، محللاً المنطق الذي تستند إليه هذه النظريات، وما يصاحبها من جوانب الصواب والحكمة، أو جوانب القصور والخلل. ثم يقدم رؤيته للنظرية الأخلاقية الإسلامية، لافتاً الانتباه إلى ما تتصف به من حكمة وكمال. وهو منهج في تأصيل قضايا البحث تأصيلاً إسلامياً، ربما لا نجده عند الباحثين المسلمين الذين يجرون بحوثهم في سياقات أخرى، ويستهدفون في خطابهم جمهوراً مختلفاً. ونتوقع أن ينهج منهجَ دراز الباحثون المسلمون الذين يجدون أنفسهم في السياق نفسه، حين يجرون بحوثهم في الجامعات الغربية.
ولعل ذلك أن يكون موضوعاً بحثياً مستقلاً، يدرس عينة من الباحثين الذين درسوا في الجامعات الغربية، وتناولوا قضايا اجتماعية أو نفسية أو فلسفية أو تربوية، ويكون الهدف من البحث الكشف عن المناهج التي استخدمها الباحثون في معالجة هذه القضايا، ومناهج التأصيل التي ربما نهجوها.
في مطلع الكتاب يؤكد المؤلف أن ثمة غرضاً محدداً من تأليف كتابه، وأن الكتاب سوف يأتي بجديد، يضيف إلى المكتبة الأوروبية والمكتبة الإسلامية على حد سواء؛ "فإذا لم يأت عملنا هذا بشئ جديد في عالم الشرق أو الغرب، فلن يكون سوى مضيعة وزحمة وإثقال."
سوف يأتي الكتاب بجديد في المكتبة الأوروبية؛ لأن المؤلفات الغربية في علم الأخلاق تشهد "فراغاً هائلاً وعميقاً، نشأ عن صمتهم المطلق عن علم الأخلاق القرآني..." وهذا لا يعنى بالضرورة عدم وعي المؤلف بوجود كتابات أوروبية عن الأخلاق في الإسلام، فهو ينوه ببعض الكتابات الأوروبية التي عالجت مسائل تتعلق بالإسلام، وبما تضمنته من محاولات محدودة لترجمة بعض الآيات القرآنية ذات العلاقة بالعبادة أو بالسلوك، لكن هذه الكتابات اعترتها عيوب كثيرة في الترجمة أو في النتائج، ولذلك فإن المؤلف يريد أن يتناول الموضوع ويعالجه "من أجل تصحيح هذه الأخطاء، وملء هذه الفجوة في المكتبة الأوروبية، وحتى نُرِيَ علماء الغرب الوجه الحقيقي للأخلاق القرآنية، وذلكم في الواقع هو هدفنا الأساسي من عملنا هذا."
على أن المؤلف لا يستبعد حاجة المكتبة الإسلامية لمثل هذا العمل أيضاً، حين يشير إلى أن هذه المكتبة لم تعرف في موضوع الأخلاق إلا مادة من النصائح العملية، أو وصفاً لطبيعة النفس وملكاتها، حسب النموذج الأفلاطوني أو الأرسطي، وبذلك تبقى المكتبة الإسلامية بحاجة إلى دراسة النص القرآني بصورته الكاملة للوصول إلى النظرية الأخلاقية في القرآن.
وفي الحالتين، لا يصل المؤلف إلى هذه النتيجة، حول حاجة كل من المكتبتين: الأوروبية والإسلامية إلى عمل كامل في النظرية الأخلاقية القرآنية، إلا بعد أن يذكّر بالكتابات المتوافرة، ويوثق ما يراه من أهم مراجعها، مما يشهد للمؤلف بالاطلاع والتمكن من التراثين: الإسلامي والأوروبي -في مسألة الأخلاق- على حد سواء.
وقد تضمن وصف المؤلف لمنهجه في العمل، اعترافه بأن تصوره للمنهج في البداية كان يقتصر على "عرض القانون الأخلاقي المستمد من القرآن وربما من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المبيِّن الأول، الثقة." لكنه عدّل في هذا المنهج بناء على اقتراح أستاذه "لويس ماسنيون"، الذي رغب في أن تتضمن الدراسة تناولَ بعض نظريات المدارس الإسلامية المشهورة. ثم جاء اقتراح ثانٍ من أستاذ آخر هو "رينيه لوسن" بأن يجري مقارنة للنظرية الأخلاقية المستمدة من القرآن ببعض النظريات الغربية، وقد رأى المؤلف أن ما طلباه كان "مقترحات موفقة"، وأن عمله بهذه المواصفات أصبح "أرحب مدى وأعظم توفيقاً،" وأن هذا المنهج يمثل تقارباً بين الثقافات، يأمل أن "يعقبه فهم أرحب مجالاً، ونزوع إلى الإنسانية أكثر امتداداً، حيث تتجمع القلوب، من هنا وهناك، وتتشابك الأيدي لخير بنى الإنسان."
لقد كان موضوع البحث عند "دراز"، هو ما سمّاه "منظومة الأخلاق في القرآن الكريم." ومع أن الموضوع معروف ومطروق، وهو موضوع قرآني بامتياز، وقد كتب فيه كثير من علماء المسلمين من: الفقهاء، والمتصوفة، والفلاسفة، والمتكلمين...فإن مصطلحات مثل "منظومة الأخلاق"، أو "النظام الأخلاقي"، أو "قانون الأخلاق"، أو "دستور الأخلاق"، أو "النظرية الأخلاقية"، هي مصطلحات جديدة. فلا بد من تعرّف أصول هذه المصطلحات وتطورها في الفكر المعاصر، مع ملاحظة أن مرجعية الفكر المعاصر مرجعية غربية إلى حد كبير. وبذلك أصبح منهج المؤلف في البحث منهجاً مقارناً، فهو يبحث عن "دستور الأخلاق في القرآن الكريم" بمرجعية قرآنية صرفة، وهو يبحث في تراث علماء الأمة الإسلامية، لعل أحداً منهم قد كشف عن هذا الدستور من قبل، وهو ينظر في أدبيات الأخلاق عند الغربيين السابقين والمعاصرين، ويجتهد في تحديد موقعها من "دستور الأخلاق في القرآن الكر يم."
على أن من أهم ما يعنينا في نتائج البحث، هو الكشف عن منهج القرآن الكريم في تأصيل موضوع القيم والأخلاق. وهل ثمة منهج أفضل من منهج القرآن هادياً إلى المنهج الذي نبحث عنه، أو نسعى إلى تطويره، ليسعفنا في إحسان التعامل مع الفكر المعاصر، وقضايانا المعاصرة؟!
لقد أشرنا في بدء الحديث عن كتاب دراز إلى الجوانب الثلاثة لما سمّاه دراز "أصالة" القرآن في الحديث عن الأخلاق، ولعلنا نختم الحديث بتحديد ما نراه عناصر أساسية في منهج رسالة القرآن في بناء المنظومة الأخلاقية، وذلك على الوجه الآتي:
1. استرجاع التراث الأخلاقي للرسالات الإلهية السابقة، والإشادة بها، وربطها ضمن حلقة متصلة من العناية الإلهية بأجيال البشرية.
2. تصحيح ما علق بهذا التراث من أخطاء بسبب طول الأمد، والنسيان، والانحرافات، والتحريفات، حتى تبدو منظومة تتصف بالانسجام والتماسك.
3. توضيح جوانب التنوع في حدود التشريعات الأخلاقية، على اختلاف الزمان، والمكان، والأقوام، وطبيعة الاختلالات التي كان تسود السلوك البشري.
4. إعادة بناء المنظومة الأخلاقية في صورة جديدة، تجمع بين الثبات والاستقرار لمتطلبات الحياة الأخلاقية من جهة، والمرونة التي تسع مستويات الجهد البشري ودرجاته المتصاعدة من جهة أخرى.
5. مخاطبة الكينونة البشرية بالتشريعات الأخلاقية، بطريقة تربطها بالفطرة السليمة والعقل الرشيد. فالتكاليف الأخلاقية كلها من المعروف بالفطرة، ومن المقبول بالعقل.
قليلة هي البحوث المنهجية المتميزة، التي يمكن أن تضيء الطريق أمام الباحثين وتوفر لهم نماذج من الإبداع، وتجعل أمر الإبداع ممكناً. وقليلة هي البحوث التي سلكت منهجاً في التأصيل الإسلامي، الذي يستند إلى مرجعية قرآنية. ونحن نرى أن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" للشيخ محمد عبد دراز واحدٌ من هذا القليل، ونلاحظ كذلك أن هذا الكتاب لم ينل حظاً من العناية به، يتناسب مع مستوى أهميته. ولعل في هذا التذكير بعض الوفاء للكتاب وللمؤلف، بعد مرور نصف قرن على وفاته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://hptt://shuaaalnoor.sudanforums.net
 
المفهوم العام لعلم التأصيل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ملخص كتاب أساسيات التأصيل والتوجيه الإسلامي للعلوم والمعارف والفنون.للدكتور مقداد يالجن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع الشيخ الدكتور مبارك المصري النظيف :: الموسوعة الفقهية الشاملة :: الموسوعة الفقهية الكبرى-
انتقل الى: