فحلول ذكرى المولد كل سنة، يحمل لأمة الإسلام معنى التجديد في حياتها وسلوكها ويستحثها على مراجعة سيرتها وأخلاقها على هدى القرآن والسنة، تحقيقا للمعنى القرآني العظيم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾. لذا ينبغي أن نعبر في مولد الرسول حقيقة، عن حبنا العظيم له، ونؤكد هذه المحبة و نجددها وندعمها بالبراهين والأعمال المثبتة لها، ذلك لأن المحبة تقتضي الإتباع، وهذا يعني الاقتداء والتأسي بالرسول، باتخاذه المثل الأعلى للمسلم، في حياته كلها، أقوالا وأعمالا، سيرة و سلوكا.
إن أعظم احتفال بذكرى المولد، يتمثل في الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم بتحقيق رسالته والتشبث بها، وتطبيق أركان الإسلام ومبادئه، والسير على نهجه وسنته، وإحياء معالمه وقيمه ومبادئه، والتقيد بأوامره و نواهيه وتوجيهاته في حياتنا وسلوكنا، كي يطبع النهج العملي للإسلام أعمالنا، في البيت، والمدرسة، والمحكمة، والشارع وفي سائر مرافقنا، حتى يصبح دين الله هو الغالب وشريعته هي المطبقة والحاكمة والهادية، كما كان الأمر أيام الرسول، وعلى عهد صحابته و تابعيهم، حتى نجعل من الرسول النموذج الأرفع، والمثل الكامل للمسلم الحق، المتشبث بدينه الداعي إليه، المطبق له، العامل به، والذي جعل من سيرته تطبيقا عمليا للإسلام، وتفسيرا حقيقيا للقرآن.
لقد حقق الرسول بسيرته و هديه، مبادئ الإسلام و مثله العليا، وجعلها آية في الأرض، لتكون نبراسا لنا و العالمين، وضياء و نورا للناس أجمعين، وجاهد وصابر حتى أصبحت كلمة الله هي العليا، وغدا الحق والخير والعدل سلوك المسلمين ومبادئهم، فأصبحت بذلك المعجزة تابعة للإيمان، بعد أن كان الإيمان تابعا لها، وخلصت النبوة لمهمتها الكبرى، وهي هداية الضمير الإنساني في تمام وعيه، وكمال إدراكه، تحقيقا لإرادة الله، وذلك هو ما جعل من الأمة الإسلامية في فترة وجيزة، أمة مؤمنة، موحدة قوية، متحدة، استطاعت أن تقلب وجه التاريخ، وتقضي على الجهل والعبودية والتفرقة و الظلم، وتكون خير أمة أخرجت للناس.
إذا كانت حياة الرسول، وسلوكه، وأخلاقه، ومعجزاته، أنارت عقول العلماء والباحثين، وهدت كثيرا من الحكماء والمفكرين إلى الحق والإيمان، أفلا يحق لنا ونحن نحيي ذكرى مولده الشريف أن نكون أحق وأولى بالإتباع والاقتداء؟ فنتأسى بسيرته ونقتدي بسلوكه ونتخلق بأخلاقه، فنحيي السنن، و نميت البدع، وننبذ الضلالات و السفاهات التي طغت على مجتمعاتنا، و على حياتنا، ولنعتز بالإسلام كما اعتز به الأولون، فقادوا و سادوا، وحققوا المعجزات، وفتحوا الفتوح، ولنجعل من الرسول مثلنا الأعلى، وقدوتنا الأولى، ورائدنا الأكبر