ثقافة البركة
تعريف البركة لغة واصطلاحاً:
البركة لغة: هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء ولزومه واستقراره ودوامه، يقال: زواج مبارك إذا ثبت خيره واستقر.
واصطلاحا: هي النماء والزيادة، والتبريك الدعاء بذلك، ويقال باركه الله وبارك فيه، وبارك عليه، وبارك له، وفي القرآن: ﴿ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ [ النمل: 8 ]، وفيه قوله: ﴿ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ ﴾ ]الصافات: 113] وفيه قوله: ﴿ تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ [الأنبياء: 81] وفي الحديث الشريف: { وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ{، وفي حديث عبدالرحمن بن عوف أنه قال لسعد بن الربيع رضى الله عنهما: { بارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ{، والمُبارَك الذي قد باركه الله ، كما قال المسيح بن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام:﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ﴾ [مريم: 31] ، والله تعالى يُقال في حقه تبارك ولا يقال مُبارَك ، قال تعالى: ﴿ تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير ﴾ تبارك أي تكاثر خيره وعظم.
فالبركة إذن هي الزيادة والنماء، فبركة المال زيادته وكثرته وإنجاز المهمات به، وبركة الدار فساحتها وسكينتها وهدوؤها، وبركة الطعام وفرته وحسنه ونفعه، وبركة العيال كثرتهم وحسن أخلاقهم وجمال طبائعهم، وبركة الأسرة انسجامها وتفاهمها، وبركة الوقت اتساعه واغتنامه وقضاء الحوائج فيه، وبركة الصحة تمامها وكمالها، وبركة العمر طوله وحسن العمل فيه، وبركة العلم الإحاطة وكمال الفقه والمعرفة.. فالبركة هي جوامع الخير، وكثرة النعم.
والحقيقة أن الكل يطلب البركة ويسعى إليها ، والسؤال هنا هل البركة تكتسب اكتساباً من الحياة؟ أم أنها عطاء وهبة من الله؟ ، وهل هي عامة يمكن لأي أحد أن يحصل عليها، أم أنها تطلب عند الخواص؟. والجواب أن البركة تكتسب بأمور بيّنها شرعنا الحنيف ، والبركة ليست خاصة بالبعض كالولاية بل هي عامة يمكن لأي أحد أن يحصل عليها عبر هذه الأمور الآتية:
الأمور الجالبة للبركة:
1. القرآن الكريم ( قراءة وحفظا وتدبرا وعملا ):
فالله تعالى وصف كتابه العزيز بأنه مبارك فقال: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ (155) سورة الأنعام. وقال تعالى ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ﴾ [ص: 29] وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة" [صحيح الجامع 7227]. فهو أحق أن يسمى مباركاً من كل شيء لكثرة خيره ومنافعه، ووجوه البركة فيه.
2. التقوى والإيمان ( تحصيلهما وتحقيقهما ):
ولا شك أنها من الأمور الجالبة للبركة، حيث يقول الله عز وجل: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾ (96) سورة الأعراف . والزوج يجد البركة بتقواه مع زوجته وأولاده ورزقه وحلاله.
3. التسمية والسلام :
فالتسمية تكون في بداية كل عمل. قال صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله تعالى عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء. وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت. وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء".
والسلام عنوان المحبة والبركة ، قال تعالى: ﴿ فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة ﴾ سورة النور ، فعبرعنها بأنها مباركة تجلب البركة، والسلام لبركته يحلل به الصلاة ، ويذكر في التشهد وهو سنة الإسلام.
4. الاجتماع على الطعام:
وجعلت البركة على الطعام الذي يجتمع عليه الناس، قال صلى الله عليه وسلم: "طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة" ، ويظهر هذا جلياً في إفطار رمضان حيث تزداد بركة الطعام بازدياد عدد المجتمعين عليه.
5. أكلة السحر للصائم :
لقوله صلى الله عليه وسلم "تسحروا فإن في السحور بركة". والبركة هنا الأجر والثواب، وتحمل الصوم، والتقوي على طاعة الله.
6. ماء زمزم ( شربه والتداوي به ):
وهذه العين المباركة التي خرجت في أرض جافة ليس فيها ماء ومن وسط الجبال وهي لم تنقطع، وهي عين مباركة، بل وقد قال عنها صلي الله عليه وسلم: "يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم -أو قال: لو لم تغرف من الماء- لكانت عيناً معيناً" [صحيح الجامع 8079]. أي أنها كانت لو لم تغرف منها أكثر غزارة بكثير. وقال: ( ماء زمزم لما شرب له ). وقال إنها: ( طعام طُعم وشفاء سُقم ).
7. زيت الزيتون:
وشجر الزيتون شجر مبارك وصفه الله في سورة النور: ﴿ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ﴾ (35) سورة النور. كما يعرف زيت الزيتون بأنه علاج نافع لكثير من الأمراض.
8. ليلة القدر( إحياؤها والتماسها):
ولا يخفي على أحد ما في هذه الليلة من البركة، فيجمع فيها رب الأسرة أفراد أسرته ويحدثهم بفضلها وبركاتها ورحماتها، ثم يصلون معاً ويذكرون الله تعالى في هذه الليلة المباركة، قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ (3) سورة الدخان ، قيل هي ليلة القدر.
9. العيدين والجمعة:
لأنها ساعات صفاء وذكر وشكر ، فالناس يجتمعون للصلاة يشكرون الله على ما أعطاهم من نعمه الكثيرة فيبارك لهم فيها ويزيدها وينميها لهم، فعن أم عطية رضي الله عنها قالت: «كنا نُؤْمَرُ أن نَخرُجَ يومَ العيدِ, حتى نُخْرِجَ الْبِكرَ مِن خِدرِها, حتى نُخرجَ الْحيّضَ فيَكنّ خلفَ الناسِ فيُكبّرْنَ بتكبيرِهم ويَدْعونَ بدُعائهم, يَرجونَ بَرَكةَ ذلكَ الْيَومِ وَطُهرَتَهُ». [صحيح البخاري]، ويوم الجمعة لا يخفى فضله على أحد فيه ساعة ، الدعاء فيها مجاب.
10. المطعم الحلال الطيب:
يقول صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً" [صحيح الجامع 2744]، فالمال الخبيث لا يبارك الله به والحرام لا يدوم وإذا دام لا ينفع.
11. كثرة الذكر والشكر:
يقول تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ (7) سورة إبراهيم. والزيادة هنا زيادة في كل شيء سواء بالمال أو الصحة أو العمر إلى آخر نعم الله التي لا تعد ولا تحصى. وقال تعالى: ﴿ وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ (144) سورة آل عمران. وللذكر فضل لايخفى.
12. الصدقة والإنفاق( فريضة ونافلة ):
فالصدقة تبارك مال الإنسان وتزيده والحسنة بعشر أمثالها ، قال تعالى: ﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ (261) سورة البقرة ، وفي الحديث القدسي: "يا ابن آدم أنفق، أُنفق عليك "رواه مسلم.
13. البر وصلة الرحم:
بر الوالدين وصلة الرحم من الأمور الجالبة للبركة ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: ".. وصلة الرحم وحسن الجوار ـ أو حسن الخلق ـ يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار" [صحيح الترغيب 2524]
14. التبكير والبدار:
فالبركة تكون في استيقاظ الإنسان باكراً وابتداء أعماله في الصباح الباكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بورك لأمتي في بكورها" [صحيح الجامع 2841] ويتحدث كثير من الأشخاص عن سبب نجاحهم -بعد توفيق الله تعالى- أنه التبكير في أداء الأعمال ، يقول صلى الله عليه وسلم: ( بادروا بالأعمال ).
15. الزواج:
وهو أحد الأسباب الأساسية العظيمة الجالبة للبركة ، وقد كان بعض السلف الصالح يطلبون الزواج لكي يتحقق لهم الغني ويأتيهم الرزق وتحصل لهم البركة، لأنهم فهموا ذلك من قوله تعالى: ﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ (32) سورة النور. وحديث: ( التمسوا الغنى في النكاح ) ، وحديث: ( ثلاث حق على الله عونهم ... منهم الناكح يريد العفاف ).
16. التخطيط وحسن التوكل على الله تعالى:
قال تعالى: ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ (3) الطلاق. وقال صلى الله عليه وسلم:" لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً" رواه أحمد. قال تعالى: ﴿ فإذا عزمت فتوكل على الله﴾.
17. مداومة الاستغفار والصلاة على رسول الله والدعاء:
فقد علمناالنبي صلى الله عليه وسلم أن ندعو للمتزوج فنقول: "بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير" رواه الترمذي، وكذلك الدعاء لمن أطعمنا: "اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم ، وارحمهم" رواه مسلم.
18. الصدق في المعاملة من بيع وشراء:
قال عليه الصلاة والسلام: "البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما" رواه البخاري..
19. المساجد الثلاثة التي يشد إليها الرحال .
فالمسجد الحرام قال تعالى فيه: ﴿ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين ﴾.
والمسجد الأقصى قوله: ﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ﴾.
والمسجد النبوي فضله لا يخفى على أحد ، كيف وفيه المعصوم المبارك .
هذا ، وصلى الله ربي وسلم وبارك على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه والتابعين.